من أسماء القيامة
خاص – فهيم المعقري
الاحد: 1 أغسطس 2010م
سمى الله ذلك اليوم الذي يحل فيه الدمار بهذا العالم ، ثم يعقبه فيه البعث والنشور للجزاء والحساب بأسماء كثيرة ، وقد اعتنى جمع من أهل العلم بذكر هذه الأسماء ، وقد عدها الغزالي والقرطبي فبلغت خمسين اسماً كما يقول ابن حجر العسقلاني (1) .
وقد ساق القرطبي هذه الأسماء مفسراً لها ، ولكنه أخذ تفسيرها من كتاب ( سراج المريدين ) لابن العربي ، وربما زاد عليه شيئاً ما في الشرح والتفسير (2) .
وقد عدَّها بعضهم من غير تفسير ، منهم ابن نجاح في كتابه (( سبيل الخيرات )) ، وأبو حامد الغزالي في (( الإحياء )) وابن قتيبة في (( عيون الأخبار )) (3) .
وسنقتصر في هذا الحديث على ذكر أشهر هذه الأسماء ، مع تعريف كل اسم تعريفاً مختصراً .
أشهر أسماء ذلك اليوم :
1- يوم القيامة : ورد هذا الاسم في سبعين آية من آيات الكتاب ، كقوله تعالى : ( اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ) [ النساء : 87 ] ، وقوله : ( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ) [ الإسراء : 97 ] ، وقوله : ( إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) [ الشورى : 45 ] .
والقيامة في اللغة: مصدر قام يقوم ، ودخلها التأنيث للمبالغة على عادة العرب ، وسميت بذلك لما يقوم فيها من الأمور العظام التي بينتها النصوص . ومن ذلك قيام الناس لرب العالمين .
2- اليوم الآخر : كقوله تعالى : ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) [ البقرة : 177 ] ، وقال : ( ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) [ البقرة : 232 ] ، وقال : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) [ التوبة : 18 ] .
وأحياناً يسميه بالآخرة أو الدار الآخرة ، كقوله : ( وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) [البقرة : 130 ] . وقوله : ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ) [ النساء : 74 ] . وقوله : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ) [ القصص : 83 ] ، وقوله : ( وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [ا لعنكبوت : 64 ] .
وسمى ذلك اليوم باليوم الآخر: لأنه اليوم الذي لا يوم بعده .
3- الساعة : قال تعالى: ( وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ )[الحجر : 85] ، وقال : ( إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ) [ طه : 15 ] ، وقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) [ الحج : 1 ] .
قال القرطبي : " والساعة كلمة يعبر بها في العربية عن جزء من الزمان غير محدود ، وفي العرف على جزء من أربعة وعشرين جزءاً من يوم وليلة ، اللذين هما أصل الأزمنة .. وحقيقة الإطلاق فيها أن الساعة بالألف واللام عبارة في الحقيقة عن الوقت الذي أنت فيه، وهو المسمى بالآن ، وسميت به القيامة إما لقربها ، فإن كل آت قريب . وإما أن تكون سميت بها تنبيهاً على ما فيها من الكائنات العظام التي تصهر الجلود .
وقيل : إنما سميت بالساعة لأنها تأتي بغتة في ساعة .. " (4) .
4- يوم البعث : قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ... ) [ الحج : 5 ] ، وقال : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذا يومُ البَعثِ ) [الروم : 56] .
قال ابن منظور : " البعث : الإحياء من الله تعالى للموتى ، وبعث الموتى نشرهم ليوم البعث " (5) .
5- يوم الخروج : قال تعالى : ( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) [ق: 42] وقال : ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) [المعارج : 43] ، وقال : ( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ) [ الروم : 25 ] .
سمي بذلك: لأن العباد يخرجون فيه من قبورهم عندما ينفخ في الصور .
6- القارعة : قال تعالى : ( الْقَارِعَةُ ، مَا الْقَارِعَةُ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ) [القارعة: 1-3] وقال : ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ) [ الحاقة : 8 ] .
قال القرطبي : " سميت بذلك: لأنها تقرع القلوب بأهوالها . يقال : قد أصابتهم قوارع الدهر ، أي : أهواله وشدائده ، قالت الخنساء :
تعرفني الدهر نهشاً وحزا وأوجعني الدهر قرعاً وغمزا
أرادت أن الدهر بكبريات نوائبه وصغرياتها " (6) .
7- يوم الفصل : قال تعالى : ( هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) [ الصافات: 21 ] . وقال : ( هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ) [ المرسلات : 38 ] . وقال : ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ) [ النبأ : 17 ] .
سمي بذلك: لأن الله يفصل فيه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ، وفيما كانوا فيه يختصمون ، قال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) [ السجدة : 25 ] .
8- يوم الدين : قال تعالى : ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ - يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ - وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ - ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ - يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) [ الانفطار : 14-19 ] . وقال : ( وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ) [ الصافات : 20 ] .
والدين في لغة العرب : الجزاء والحساب .
قال الشاعر :
حصادك يوماً ما زرعت وإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن
سمي: بذلك لأنه الله يجزي العباد ويحاسبهم في ذلك اليوم .
9- الصَّاخة : قال تعالى : ( فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ) [ عبس : 33 ] .
قال القرطبي : قال عكرمة : "الصاخة: النفخة الأولى " والطامة: النفخة الثانية . قال الطبري : أحسبه من صخ فلان فلاناً إذا أصمه . قال ابن العربي : الصاخة التي تورث الصمم ، وإنها المسمعة ، وهذا من بديع الفصاحة حتى لقد قال بعض أحداث الأسنان حديثي الأزمان :
أصمَّ بك الناعي وإن كنت أسمعا
وقال آخر :
أصمَّني سيرهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بسير يورث الصمما
ولعمر الله إن صيحة القيامة مسمعة ، تصم عن الدنيا ، وتسمع أمور الآخرة " (7) .
وقال ابن كثير : " قال البغوي : الصاخّة يعني صيحة يوم القيامة ، سميت: بذلك لأنها تصخُّ الأسماع ، أي : تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها " ( .
10- الطامة الكبرى : قال تعالى فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى )[النازعات : 34] .
سميت: بذلك لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع ، كما قال تعالى : ( وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )[ القمر : 46 ] .
قال القرطبي : " الطامَّة الغالبة . من قولك : طمَّ الشيء إذا علا وغلب . ولما كانت تغلب كل شيء كان لها هذا الاسم حقيقة دون كل شيء .
قال الحسن : الطامة : النفخة الثانية . وقيل : حين يسار أهل النار إلى النار " (9) .
11- يوم الحسرة : قال تعالى : ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) [ مريم : 39 ] .
سمي بذلك لشدة تحسر العباد في ذلك اليوم وتندمهم . أما الكفار فلعدم إيمانهم ( حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ) [ الأنعام : 31 ] ، واستمع إلى تحسر الكفار عندما يحل بهم العذاب : ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ - أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ - أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [ الزمر : 56-58 ] .
وتبلغ الحسرة ذروتها بأهل الكفر عندما يتبرأ السادة والأتباع من متبوعيهم ( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) [ البقرة : 167 ] .
ويتحسر المؤمنون في ذلك اليوم بسبب عدم استزادتهم من أعمال البر والتقوى .
12- الغاشية : قال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ) [ الغاشية : 1 ] ، سميت بذلك لأنها تغشى الناس بأفزاعها وتغمهم ، ومن معانيها أن الكفار تغشاهم النار ، وتحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، كما قال تعالى : ( يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) [ العنكبوت : 55 ] . وقال : ( لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ) [ الأعراف : 41 ] .
13- يوم الخلود : قال تعالى ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ) [ق : 34] .
سمي ذلك اليوم بيوم الخلود : لأن الناس يصيرون إلى دار الخلد ، فالكفار مخلدون في النار ، والمؤمنون مخلدون في الجنان ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ البقرة : 39 ] ، وقال : ( وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ آل عمران : 107 ] .
14- يوم الحساب : قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) [ ص : 26 ] . وقال : ( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) [ غافر : 27 ] .
سمي بذلك اليوم بيوم الحساب : لأن الله يحاسب فيه عباده ، قال القرطبي : " معنى الحساب أن الله يعدِّد على الخلق أعمالهم من إحسان وإساءة ، ويعدِّد عليهم نعمه ، ثم يقابل البعض بالبعض ، فما يشف منها على الآخر حكم للمشفوف بحكمه الذي عينه للخير بالخير ، وللشرِّ بالشرِّ ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما منكم أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان ".
15- الواقعة : قال تعالى : ( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) [ الواقعة : 1 ] ، قال ابن كثير :" سميت : بذلك لتحقق كونها ووجودها " (10) . وأصل وقع في لغة العرب كان ووجد .
16- يوم الوعيد : قال تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ) [ق : 20] ، لأنه اليوم الذي أوعد به عباده . وحقيقة الوعيد هو الخبر عن العقوبة عند المخالفة .
17- يوم الآزفة : قال تعالى : ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ) [ غافر : 18 ] ، سميت بذلك لاقترابها ، كما قال تعالى : ( أَزِفَتْ الْآزِفَةُ -لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ) [ النجم : 57-58 ] . والساعة قريبة جداً . وكل آت فهو قريب وإن بَعُد مداه . والساعة بعد ظهور علاماتها أكثر قرباً .
18- يوم الجمع : قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ) [ الشورى : 7 ] ، سميت بذلك ، لأن الله يجمع فيه الناس جميعاً ، كما قال تعالى ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ) [هود : 103].
19- الحاقة : قال تعالى : ( الْحَاقَّةُ - مَا الْحَاقَّةُ ) [ الحاقة : 1-2 ] ، سميت بذلك – كما يقول ابن كثير – لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد (11) .
قال البخاري في صحيحه : " هي الحاقة لأن فيها الثواب وحواق الأمور . الحقة والحاقة واحد " . وقال ابن حجر في شرحه لكلام البخاري : " هذا أخذه من كلام الفراء. قال في معاني القرآن . الحاقة : القيامة . سميت بذلك لأن فيها الثواب وحواقّ الأمور . ثم قال : الحقة والحاقة كلاهما بمعنى واحد . قال الطبري : سميت الحاقة لأن تحقّ فيها . وهي كقولهم : ليلٌ قائم . وقال غيره : سميت الحاقة لأنها أحقت لقوم الجنة ولقوم النار . وقيل : لأنها تحاقق الكفار الذين خالفوا الأنبياء . يقال : حاققته فحققته ، أي : خاصمته فخصمته . وقيل : لأنها حق لا شك فيه " (12) .
20- يوم التلاق : قال تعالى : ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ) [ غافر : 15 ] .
قال ابن كثير : " قال ابن عباس : يلتقي فيه آدم وآخر ولده . وقال ابن زيد : يلتقي فيه العباد . وقال قتادة والسدي وبلال بن سعد وسفيان بن عيينة : يلتقي فيه أهل الأرض والسماء ، والخالق والخلق ، وقال ميمون بن مهران : يلتقي فيه الظالم والمظلوم . وقد يقال : إن يوم التلاق يشمل هذا كله ، ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشر كما قاله آخرون " (13) .
21- يوم التناد : قال تعالى حاكياً نصيحة مؤمن آل فرعون قومه : ( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ )[غافر : 32] ، سمي بذلك لكثرة ما يحصل من نداء في ذلك اليوم ، فكل إنسان يدعى باسمه للحساب والجزاء ، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، وأصحاب النار ينادون أصحاب الجنة ، وأهل الأعراف ينادون هؤلاء وهؤلاء .
22- يوم التغابن : قال تعالى : ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ )[ التغابن : 9 ] .
سمي بذلك لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار ، إذ يدخل هؤلاء الجنة ، فيأخذون ما أعد الله لهم ، ويرثون نصيب الكفار من الجنة .
هذه هي أشهر أسماء يوم القيامة ، وقد أورد بعض العلماء أسماءً أخرى غير ما ذكرناه، وهذه الأسماء أخذوها بطريق الاشتقاق بما ورد منصوصاً ، فقد سموه بيوم الصدر أخذاً من قوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا ) [ الزلزلة : 6 ] ، ويوم الجدال أخذاً من قوله تعالى : ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا ) [ النحل : 111 ] .
وسموه بأسماء الأوصاف التي وصف الله بها ذلك اليوم ، فقالوا من أسمائه : يوم عسير، ويوم عظيم ، ويوم مشهود ، ويوم عبوس قمطرير ، ويوم عقيم .
ومن الأسماء التي ذكروها غير ما تقدم : يوم المآب ، يوم العرض ، يوم الخافضة الرافعة ، يوم القصاص ، يوم الجزاء ، يوم النفخة ، يوم الزلزلة ، يوم الراجفة ، يوم الناقور، يوم التفرق ، يوم الصدع ، يوم البعثرة ، يوم الندامة ، يوم الفرار .
ومنها أيضاً : يوم تبلى السرائر ، يوم لا تملك نفساً لنفس شيئاً ، يوم يُدَعُّون إلى نار جهنم دَعّا ، يوم تشخص فيه الأبصار ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ، يوم لا ينطقون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، يوم لا يكتمون الله حديثاً ، يوم لا مرد له من الله ، يوم لا بيع فيه ولا خلال ، يوم لا ريب فيه .
وقد يضيف إليها بعض أهل العلم أسماء أخرى ، وقد يسمى الاسم بما يقاربه ويماثله، قال القرطبي : " ولا يمتنع أن تسمى بأسماء غير ما ذكر بحسب الأحوال الكائنة فيه من الازدحام والتضايق واختلاف الأقدام ، والخزي ، والهوان ، والذل ، والافتقار ، والصَّغار، والانكسار ، ويوم الميقات ، والمرصاد ، إلى غير ذلك من الأسماء " (14) .
السر في كثرة أسمائه :
يقول القرطبي : " وكل ما عظم شأنه تعددت صفاته ، وكثرت أسماؤه ، وهذا مهيع كلام العرب ، ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه ، وتأكد نفعه لديهم وموقعه ، جمعوا له خمسمائة اسم ، وله نظائر .
فالقيامة لما عظم أمرها ، وكثرت أهوالها ، سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة ، ووصفها بأوصاف كثيرة " (15) .
مع تحيات فهيم المعقري